الثلاثاء، 3 يونيو 2014

غابات الزياتين بين التقليدي والتكثيف

تحتل زراعة الزياتين مكانة هامة بأغلب مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط وتلعب كزراعة أدوارا اقتصادية وبيئية واجتماعية هامة. غابات الزياتين بهذه المناطق تقدر بــ900 مليون شجرة وتغطي مساحة لا تقل عن مليونان و600 ألف هكتار ويمثل هذا الرقم 95 % من مجموع غابات الزياتين في العالم.
منذ الثمانينات وإلى يومنا هذا تطورت غابات الزياتين يوما بعد يوم ولعل تطورها يعزى إلى التقدم التكنولوجي خصوصا في مجالي الإكثار والتحويل وتتوجه الجهود منذ نهايات القرن الماضي إلى تكثيف غابات الزياتين وربما زراعتها بمواصفات محددة لتتماشى والتطور التكنولوجي الخاص بالجني.
منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي وبعد فتح العديد من الملفات البيئة خصوصا منها المتعلقة بالمبيدات واستعمالها في المجال الزراعي أصبح لدى المستهلك رغبة في اختيار المنتجات الأقل معاملة بالكيماويات ولم يكن زيت الزيتون بمنأى عن هذا الطرح بل ربما كان من المواد الأكثر حساسية لأنه من المنتجات النبيلة ويعتبر لدى البعض أقرب إلى الدواء منه إلى  الغذاء.
الدول المنتجة للزيتون والتي لها حصة تصدير من زيت الزيتون أصبحت مطالبة أكثر من أي وقت مضى للالتزام بالتشريعات التي صدرت في مجال إنتاج زيت الزيتون البيولوجي وهي مطالبة بتحقيق ثلاثة أهداف على الأقل :
-         حسن التحكم في كلفة الإنتاج لضمان الدخول في منافسة الأسعار العالمية وذلك بتحسين الإنتاجية بغابات الزياتين والعمل على تكثيف الغراسات والاستفادة من التكنولوجيات الجديدة ما أمكن.
-         العمل على تحسين نوعية الزيوت باحترام العديد من النقاط أهمها: طريقة الجني، فترة الجني، سرعة التحويل وغير ذلك.
-         حسن التعبئة والتعليب.
تجدر الملاحظة في هذا المجال أن توجه بعض الدول المنتجة للزيوت نحو تكثيف غابات الزياتين وإدراج ضيعات الزياتين ضمن الضيعات المروية هو سلاح ذو حدين. فهو معطى يساهم فعلا في الرفع من إنتاجية الهكتار الواحد لكنه لا يخلو من العديد من المخاطر كتفشي بعض الأمراض ربما أهمها تلك المتعلقة بالجذور ( تعفن الجذورverticilium ) فضلا عن عدم ضمان مستقبل واضح لهذه الغابات من حيث العمر التقريبي.
هذه الدول المنتجة وجدت نفسها في الحقيقة أمام ضرورة تحقيق هدفين متناقضين فهي من ناحية تريد تكثيف غابات الزياتين وتحقيق وفرة في الإنتاج، ومن ناحية أخرى تريد الحصول على زيوت ذات جودة.
في الواقع مع التكثيف لا يمكن ضمان الجودة ومع استغلال الغابات ضمن النمط التقليدي لا يمكن ضمان الكمية.
من بين الحلول توجه العديد من الدول المنتجة إلى زراعة الزياتين ضمن أنماط صديقة للبيئة وأقل كثافة بما يعني أقل إنتاجا وأكثر جودة وهو في الحقيقة حل يرضي المستهلك الذي يبحث عن النوعية ويضمن استدامة الزياتين وعدم اندثارها بسرعة. هذا الحل يمكن أن يساهم في تثمين غابات الزياتين بالضفة الجنوبية للمتوسط كغابات الزيتون التونسية التقليدية بحيث يمكن إدراجها ضمن النمط البيولوجي واستغلال المعطى المطروح لتثمين النوعية والاكتفاء بكميات إنتاج متواضعة.

                                                                                             محسن اللافي / تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق